قصيدة "عن أسير" للشاعر فارس سباعنة


عن أسير


فارس سباعنة

في آخر السردابِ مترُ واحدٌ 

بيني وبين الشمس أو بين الحمامةِ والحمامِ


في آخر السرداب ِ وحدك

كنتَ معي تغني عشبةَ الوادي البعيدِ

وكنتُ مثل الموتِ أحلمُ بالسلامِ


وما عبدتُ إذا عبدتكَ

غير ما وضعته أمي في دمي من مقلتيها 

غير ما نسيته أمي من كلامي 


ومثل كل الذاهبين لغيبهم 

أو مثل كل الذائبين بغيبهم 

ألفيتُ في هذا الجحيم ِِ 

حرارةَ الوعدِ المغلف بالظلام


هنا جميعُ الغائبين،

هنا أنا وذاكرتي وربي

والصغارُ يخضّبون أصابع الله الطويلة

بالترابِ وبالغمامِ

أنا سيد العشاقِ أنقصني تماما 

في زنازينِ انعزالي 

أنا المجرّدُ كامـلاً منّي 

ومن عينيكِ لولا الحزنُ ينثرها أمامي


هذا جدارٌ باردٌ

لولا طفولة حلمنا 

وجدتْ سبيلاً ضيّقا للماءِ في شقّ الرخامِ

حرريني من جنون الوقت 

من شغفي بوجهكِ 

من تسرّب صوتكِ الدامي لروحي

وازدحامي باسمك العالي

وليلي يفرشُ الدربَ الفقيرةَ

حـرريــنـي من هيــامي ..


أنا ماردُ المصباحِ لو تدرينَ ... 

ينقصني حنينكِ يفركُ الصدأ المعتق

فوق سطح الغرفة الظلماءِ 

ينقصني أخٌ يجدُ ارتطامي في حطامي

أنا ماردُ الوطنِ المخبأ في زنازينِ اشتياقكِ

لم يجد إلاكِ في بيتي الجنودُ

 فزيّنَ اسمكِ وجه لائحةِ اتهامي

أقيمُ هذي الليلةَ الحفلَ الكبيرَ لعاشقٍ

سيشقّ جبّته أمامكِ.. 

ثمّ يمشي عارياً لحفيفِ موتهِ

والمدى وطني الوحيدُ

أمصّ أمعائي بنفسي

لا أرى أحداً هنا

فأنا إلهي في تمـامي وانعدامي


أجتازُ هذا المترَ ما بيني وبين الشمسِ

أرتكبُ الحقيقةَ عامداً متعمداً

وأطلّ من موتي عليّ

على بلادٍ في حكاياتِ الخيامِ

على نخيلِ الرافدينِ يصيحُ: "يا وجعَ العراقِ"

على حنينٍ بابليٍّ في مـقامِ 


على الذين يجففون الجوعَ في إفريقيا مثل الزبيب

على الهتافِ المرّ في أرضِ الشــآمِ

على فتاةٍ في شواطئ غزةَ انتبهتْ لمأساةِ العراءِ

تقولُ: أينَ أنامُ يا أبتي السرابُ؟

أقول: في عينيّ نامي..

أنا جميعُ اللاجئينَ لصمتِ هذا الكونِ

واللغةُ التي تتحسّسُ الدّفءَ المشتّتَ في الزّحامِ

أنا المجرّدُ كامـلاً منّي

ومن عينيكِ لولا الحزنُ ينثرها أمامي



لوحة للفنان نبيل عناني

تم عمل هذا الموقع بواسطة